النفط العالمي ما بين الربح و الخسارة

لا يزال التراجع المستمر في أسعار النفط يثير أسئلة كثيرة بشأن أسبابه وعوامله، كما تتعدد المداخل والنظريات المُفسِّرة لهذا التراجع اقتصاديًّا وسياسيًّا، خاصة أن هذا الانهيار المفاجئ لا يتواءم مع منطق وآليات السوق النفطية (العرض والطلب)، وزيادة المخاطر والتوترات الأمنية التي تهدد خطوط الإنتاج والإمداد.
فتراجع أسعار النفط سيؤدي إلى زيادات معدلات نمو الاقتصاد العالمي بنحو نصف نقطة مئوية فيما يتوقع البعض أن يستمر تراجع أسعار النفط في المرحلة المقبلة لاعتبارات كثيرة، بعضها يرتبط بسوق الطاقة نفسها، وبعضها بالتغيير الذي طرأ على خارطة الإنتاج والمنتجين في السنوات الأخيرة.

على الصعيد الإقليمي تستمر الدول الأساسية المنتجة للنفط و من بينها ليبيا ترفض تخفيض الإنتاج لإعادة التوازن إلى سوق النفط ووقف انهيار الأسعار ,أما على الصعيد العالمي فقد بات مستقبل إنتاج الطاقة منقسمًا بين معسكرين: الأول: بقيادة المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية، والثاني: بقيادة روسيا وإيران.

تعقيدات كثيرة تدور حول ملف حرب النفط العالمية يرتبط بعضها بزيادة إنتاج الولايات المتحدة الأميركية في مجال النفط؛ حيث تطمح لأن تتصدر السوق النفطية في إنتاج هذه المادة الحيوية للاقتصاد العالمي، خاصة أن أعمال النفط والغاز في بعض الولايات الشمالية تشهد توسعات في النفط الصخري؛ ما يسهم في زيادة إمدادات النفط العالمي فيما يعزو هذا التراجع إلى نمو السوق السوداء لتجارة النفط؛ حيث تبيع إيران إنتاجها من النفط في هذه السوق للالتفاف على العقوبات الدولية و وهو ما ينطبق ايضا على الجماعات التي تسيطر على حقول نفطية في ليبيا، يضاف إلى ذلك تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي يسيطر على حقول نفطية في سوريا والعراق؛ حيث يحقق مكاسب مالية لا تقل عن 100 مليون دولار شهريًّا من تجارة النفط في السوق السوداء، والتي تعد أحد أهم مصادر تمويل التنظيم. بالاضافة الى المضاربات التي أخذت حدتها تزداد في الفترة الأخيرة.
ومن مبدأالربح والخسارة فان اول المتضررين من حرب النفط العالمية دول الخليج حيث تتكبد السعودية خسارة يومية تصل لـ350 مليون دولار، وتفقد 40% من إيراداتها، كما تفقد الكويت 50 مليون دولار يوميًا بحسب الخبراء.
أما الدول المستفيدة من انهيار أسعار النفط، فهي بلا شك الدول المستهلكة لهذه السلعة الاستراتيجية، خاصة الصين ودول جنوب شرق آسيا، بالإضافة إلى مصر والمغرب والأردن؛ لذلك شرعت في تخزين احتياطيات نفطية مستغلة الظروف الراهنة؛ وهو ما أقدمت عليه الولايات المتحدة نفسها التي أوقفت اكتشافاتها في مجال النفط الصخري، وبدأت في تخزين النفط ، وهبطت أسعار النفط نحو 60 في المئة منذ يونيو الماضي إلى أقل من 49 دولارا للبرميل بفعل تخمة المعروض العالمي. وواصلت الأسعار تراجعها بعد رفض أوبك في نوفمبر الماضي خفض إنتاجها حفاظا على نصيبها في السوق في مواجهة المنتجين المنافسين.
ويتوقع الكثيرون أن يستمر اضطراب السوق النفطية؛ بل ستظل السوق غامضة ومفتوحة على كل الاحتمالات، ولا يمكن التكهن بمآلات أسعار النفط، ولن تتحسَّن هذه السوق إلا إذا حدث تطور في الاقتصاد في منطقة اليورو؛ وتعافى الاقتصاد العالمي من الأزمة المزمنة التي يمر بها، فيعود النمو إلى الارتفاع، ويزداد الطلب على البترول فترتفع أسعاره مجددًا.

In this article