الروائي السعودي عبد الرحمن بن جراح.. الإصلاحيون وجزاء سنمار

يعيد الروائي السعودي عبد الرحمن بن جراح في روايته (الزوراني) إلى الأذهان المثل الذي يتحدث عن جزاء سنمار أو مكافأة من قام بصنيع جيد بجعله يدفع حياته ثمنا لهذا الصنيع كي لا يستغل معرفته في غير مصلحة سيده.

وتقول القصة العربية القديمة إن أحد ملوك الحيرة كلف مهندسا ماهرا يدعى سنمار أن يبني له قصري الخورنق والسدير وإن المهندس البناء أتم المهمة بنجاح باهر.

وصعد المهندس مع الملك إلى أعلى طبقة من أحد القصرين وهناك باح له سنمار بسر توهم أنه سيساعده ويسعده. دله على حجر معين وقال له إنه في حالة احتلال العدو المدينة والقصر فهو يستطيع أن يزيح الحجر فيهبط القصر قاضيا على العدو. وبعد إطلاع الملك على السر أمر بإلقاء سنمار من أعلى القصر مما أطلق مثل جزاء سنمار.

تتحدث رواية عبد الرحمن بن جراح عن بلد عربي من صنع الخيال لكنه منسوج بخيوط الواقع نسجا دقيقا محكما. إنه جمهورية صحراوية نفطية عربية يتوالى على رئاستها شيوخ من ذرية الرئيس الأول المؤسس الكبير الذي أطلق الجمهورية من خليط من القبائل والجماعات والثقافات.

جاءت الرواية في 295 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن دار بيسان للنشر والتوزيع في بيروت. ويشرح المؤلف مصطح الزوراني فيقول “الزوراني يتوهم عالما مختلفا لا يقبل نقاشا في أفكاره وبطبيعته يريد أن يتحكم بكل شيء.” وفي مزيد من الشرح يقول إن الزورانية أو الارتياب تعني باللاتينية “بارانويا”.

وعمل بن جراح في السابق طيارا مقاتلا ومعلما للأسلحة والقتال في سلاح الجو وهو حاليا متفرغ للبحث والكتابة وناشط في مبادرة للحفاظ على واحة نخيل وبيوت طينية عتيقة في بلدته عنيزة. صدرت له قبلا مجموعة قصصية بعنوان (وهم رمادي).

وفي الرواية يتوفى رئيس الجمهورية فيخلفه نجله الذي عين ابنه وزيرا للدفاع في الحكومة الجديدة التي اختارها من أفراد حزبه الحاكم الذي رافق الرئيس المؤسس في إنجازاته ويتمتع أفراد منه بميزات كثيرة وثروات طائلة. وتتمتع أقلية من الشعب بالغنى والامتيازات بينما تعيش الغالبية في أوضاع سيئة. وشهد الاقتصاد تراجعا كما هبطت أسعار النفط هبوطا حادا.

جاءت وفاة الرئيس وسط ظروف مقلقة داخليا وإقليميا. أحد الطامعين بالرئاسة انسحب إلى منطقته وتحصن فيها. وكانت جماعات غيره تقوم بالتحريض في منطقة أخرى متذرعة بالدين الذي تمتع رجاله بصلاحيات كبيرة منذ عهد الرئيس المؤسس. وشهدت المناطق تفجيرا واضطرابات وقطعا لإمدادات الطاقة واحتياجات الناس.

وكان إقليم الخور بالجمهورية الغني بالنفط والذي تتألف غالبية سكانه من طائفة مختلفة والقريب من دولة جرمز المجاورة التي يتبع سكانها المذهب نفسه وتشجع المتمردين قد تحول إلى مسرح للاضطرابات. وثارت تكهنات بأن ينضم الإقليم إلى دولة جرمز.

كانت هنالك ثلاث شخصيات مختلفة لم تلتق إلا في فترة لاحقة عندما استدعيت إلى القصر الجمهوري بعد بروزها في مجالاتها المختلفة وذلك سعيا للاستفادة من آرائها وخبرتها لأجل حل مشكلات البلاد.

أول هذه الشخصيات هي الرائد مطر الضابط المتميز الرافض للفساد بكل أشكاله والذي سجل إنجازات لفتت إليه النظر. والثانية هي الدكتورة ليلى العالمة والباحثة الاجتماعية ذات الشأن المهم. أما الشخصية الثالثة فكانت الأستاذ جابر رجل الفكر المتحرر البارز.

وكانت بين الثلاثة صفة مشتركة هي الدعوة إلى الانفتاح والحرية وإيقاف الفساد والبذخ الأسطوري وإلغاء الامتيازات وتحكم رجال الدين والعودة مباشرة إلى الشعب بمحبة وصدق وحل المشكلات مع سائر الأقاليم بحكمة وبانفتاح على الآخرين لأن في هذه الأمور طريق إنقاذ الجمهورية.

استمع الرئيس إلى الثلاثة وطلب منهم أن يجمعوا اقتراحاتهم كتابيا وأن يقدم الأستاذ جابر الخطة وأن يكتب للرئيس خطابا يلقيه ويعلن فيه الرئيس هذه الإصلاحات والخطوات والسياسات الجديدة.

تبنى الرئيس كثيرا مما قدمه الثلاثة وأصدر بيانا توجه به إلى الشعب كما اتخذ خطوات توفيقية مع سائر الأطراف لكن الثلاثي يلقى في النهاية جزاء سنمار.

وبدلا من الترقي والمكافأة عوقب الثلاثة أحدهم بالتهميش والآخر بالتسريح والثالث بالسجن. (رويترز)

In this article