عاد الدائم رمضان، وعادت أجواءه التي يعتبرها الليبييون “سِبْراً” لا يمضي الشهر الكريم بدونها، أو أقلها كانوا يعتبرونها كذلك.
كانت الأجواء الرمضانية في ليبيا أجواءا عائلية بإمتياز، فلو تجولت في شوارع أي مدينة من مدن البلاد المترامية ستجد ذات العادات، ستجد أباً رفقة أبناءه في “محل الغذائية” يشتري ما يروي عطشه كصائم، ثم يمر على “الخضار” فيملأ كيسه مما طاب في نفسه من فواكه وخظروات، وبالتأكيد لن ينسى “السنفاز” ملاحقا رائحة “السفنز والزلابية”.
قبل انطلاق مدفع الإفطار بدقائق معلنا نهاية يوم من أيام الشهر المبارك، تبدأ الشمس بالمغيب، وترسم الزينة الرمضانية في الشوارع أجمل صورة عرفناها لمدننا.
موائد رمضان مع “جمعة العيلة” أبرز ما كان يميز رمضان في البلاد، حين تتجول في الشوارع أثناء فترة الإفطار ستسمع “حكايات البسباسي” وغيرها من البرامج التي كبر عليها أجيال، ومن ثم تجد المصلين كباراً وصغاراً يتسابقون لبيوت الله لصلاة التراويح مرددين “سبّوح قدّوس ربنا رب الملائكة والروح.
رمضان في ليبيا كان أشبح بملحمة روحانية يتنافس الليبييون على أداء أبسط تفاصيلها بدقة، إحتفاءاً بالشهر الكريم وإرضاءاً لرب العالمين، قبل أن تتحول حياتهم إلى تراجيديا “الظلام والطوابير”.
فهاهي أيام قليلة تفصل عن رمضان وبدأت الطوابير من نقطة البداية إلى نقطة اللانهاية، طوابير مصارف، طوابير بنزين، طوابير غاز، وجديداً طوابير حليب وسلع مدعومة.
أصبح المواطن مخيراً إما أن يقف في طابور، أو يفطر ماءاً دون خبز، حتى أن رمضان ارتبط مؤخراً بانقطاع الكهرباء، وكأن شركة الكهرباء تقول “افطروا واخشعوا، وما الحياة الدنيا إلا لعبٌ ولهو”.
ليبيا الغنية كما يقال عنها، أصبحت أرضاً خصبة تترعرع فيها آلاف الجمعيات الخيرية، التي تتراءى بتوزيع سلال رمضان التي لا تحتوي على أكثر من علبة “زيت وطماطم وتمر”، لكنها بالفعل هي رحمة لكثيرين من محتاجيها.
ترى هل ما يعيشه الليبييون حلم؟! هل بالفعل ذهبت تلك الأيام الخوالي التي كان فيها الليبييون يحتفون بشهر رمضان بشكل خاص؟ كل ذلك لا يهم، لأن السؤال الأهم هل ستعود تلك الأيام؟ ومتى يا ترى؟.