قال الدكتور عارف النايض رئيس تكتل إحياء ليبيا إن مبادرة القاهرة لحل الأزمة الليبية بُنيت على حوار مجتمعي ليبي، وعلى حوارات سابقة جرت مع الأطراف الليبية على مدى سنوات، موضحا أنها مبادرة ليبية بامتياز، وتحضى بالدعم الشخصي من الرئيس عبد الفتاح السيسي والدولة المصرية بدبلوماسيتها المميزة، وأكد النايض في حوار لـ”اليوم السابع” أن إعلان معظم الدول دعمها الواضح للمبادرة وخلال ساعات وأيام قليلة من إعلانها يبين بشكل واضح الجهود التي بُذلت لأجلها والاحترام الذي تحظى به مصر دوليا.
وحول التدخلات التركية فى ليبيا، أوضح أن التحركات العسكرية التركية في المنطقة، من الصومال إلى قطر إلى سوريا، والعراق، والآن ليبيا، تحكمها نظرة (عثمانية جديدة) أحياها وأطّر لها منظرون سياسيون في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، وليست وليدة اللحظة أو القرارات الوقتية، لافتا إلى أن التدخلات التركية هى محاولات جادة وخطيرة لاختراق المنظومة الأمنية العربية، وتأسيس بؤر عسكرية تركية قوية في شكل قواعد جوية وبحرية وبرية دائمة، تكون بمثابة (الحصون العثمانية) و(الحاميات العثمانية) التي نشرها السلطان عبد الحميد في زمانه، للسيطرة على المنطقة بكاملها وإعادة الدولة العثمانية في ثوب جديد.
وفيما يلى نص الحوار..
– ما رأيكم في التدخل العسكري التركي في ليبيا وتداعيات ذلك على أمن واستقرار دول الجوار؟
من الواضح أن التحركات العسكرية التركية في المنطقة، من الصومال إلى قطر إلى سوريا، والعراق، والآن ليبيا، تحكمها نظرة (عثمانية جديدة) أحياها وأطّر لها منظرون سياسيون في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، وليست وليدة اللحظة أو القرارات الوقتية.
التدخلات التركية هي محاولات جادة وخطيرة لاختراق المنظومة الأمنية العربية، وتأسيس بؤر عسكرية تركية قوية في شكل قواعد جوية وبحرية وبرية دائمة، تكون بمثابة (الحصون العثمانية) و (الحاميات العثمانية) التي نشرها السلطان عبد الحميد في زمانه، للسيطرة على المنطقة بكاملها وإعادة الدولة العثمانية في ثوب جديد.
إن قصور رجب أردوغان الجديدة، وحرسه السلطاني، وطريقته في التعامل مع الدول العربية وكأنها (إيالات عثمانية) من خلال (ولاة) هم أشبه (بجامعي الضرائب أو “الميري”)، كلها تشير بوضوح إلى أنه يتقمص شخصية السلطان عبد الحميد، ويجسّد نفس طموحاته السلطانية.
هذا الغزو العثماني الجديد هو أكبر خطر تواجهه الدول العربية الآن، وهو يهدد استقلالها ووحدتها وأمنها الوطني، وهذا يستدعي تفعيل اتفاقيات الدفاع المشترك التي هي جزء من المنظومة القانونية لجامعة الدول العربية.
ما هو الدور الواجب القيام به لمنع تركيا من خلق واقع عسكري مستدام لها في ليبيا؟
أولا: على الدول العربية أن تعي أن الاجتياح التركي لليبيا هو اجتياح لها جميعا، ولو سمحت الدول العربية لتركيا بإقامة قواعد عسكرية في ليبيا، فإن ذلك سيسبب انهيارها جميعا الواحدة تلو الأخرى، بداية من دول الجوار الليبي، خاصة وأن الجيش (الانكشاري) التركي في هذا الزمان هو جيش عرمرم من عشرات الآلاف من الإرهابيين التركمان المتمرسين في معسكرات القاعدة وداعش وغيرها من فروع الإرهاب الظلامي.
ثانيا: على الدول العربية أن تجتمع بشكل طارئ وتفعّل اتفاقيات الدفاع العربي المشترك، دون تردد أو تأخير، فإن تلك الاتفاقيات لا تحتاج إلى أي موافقات جديدة، وإنما جُعلت أصلا لمواجهة مثل هذا الخطر الوجودي على الأمة العربية.
-هل ترى أن استدعاء حكومة الوفاق للأتراك سيجعل ليبيا ساحة للصراعات الدولية ؟
طبعا، وهذا حصل فعلا في اجتماعات (حلف الناتو) ستقوم فرنسا واليونان بطرح وجوب مواجهة الاجتياح التركي لليبيا، وسوء استخدامها لعضويتها في الحلف، كما نرى أن روسيا أصبحت رقما مهما في المعادلة بتواجدها القوي في المنطقة، كل هذا ينبئ بأن ليبيا قد تعاني من ويلات صراع دولي مسلح يذكرنا بصراع (روميل) و (مونتجمري) إبان الحرب العالمية الثانية، والذي كان على حساب المدنيين الليبيّين.
-من يتحمل عملية انتشار المتطرفين ونقل المرتزقة الأجانب في ليبيا ؟
من يتحمل ذلك هو رجب أردوغان والذي استخدم هؤلاء الوحوش أنفسهم في شكل (القاعدة: النصرة) و (داعش) في سوريا والعراق، والآن صدّرهم إلى ليبيا بشكل علني ليصبحوا (قوة تدخل إرهابي سريع) في شمال افريقيا، يهدد بهم ليبيا ودول الجوار ودول الساحل والصحراء، والشاطئ الأوربي المقابل.
-وماذا عن المبادرة الليبية التي أعلن عنها الرئيس المصري في القاهرة .. هل ترى أنها ستنجح؟
من الواضح أن (مبادرة القاهرة) هي مبادرة مبنية على (مبادرة رئيس البرلمان الليبي المستشار عقيلة صالح)، والتي بُنيت أصلا على حوار مجتمعي ليبي، وعلى حوارات سابقة جرت مع الأطراف الليبية على مدى سنوات، فهي مبادرة ليبية بامتياز، وتحضى بالدعم الشخصي من فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي والدولة المصرية الجارة الشقيقة بدبلوماسيتها المميزة.
إن إعلان معظم الدول دعمها الواضح للمبادرة وخلال ساعات وأيام قليلة من إعلانها يبين بشكل واضح الجهود التي بُذلت لأجلها والاحترام الذي تحظى به مصر دوليا، وأيضا العمل الهادئ والدؤوب والجبار الذي قامت به الدبلوماسية المصرية على مدى أشهر طويلة، ولكل هذه الأسباب أرى أن المبادرة ناجحة منذ انطلاقتها وسيستمر نجاحها إن شاء الله، وقد تشرفت بدعمها علنا إعلاميا، ومن خلال مجموعات مجتمعية كمجموعة (أبناء ليبيا) ومجموعة (الحراك من أجل ليبيا) والذي تمثل رئاسته مفاتيح مشايخ القبائل الليبية.
-ومن بيده حل الأزمة الليبية في هذا التوقيت الدقيق ؟
أولا وأخيرا، إرادة الشعب الليبي هي الفيصل، ومفتاح التفاهم بين الليبيين هو تفادي الغرور والاستكبار والفرح بالانتصارات الوقتية، وأن نفهم جميعا بأن ليبيا تحتاج إلى حوار وحل سياسي، لا إلى غلبة عسكرية.
إن العقلاء في طرابلس ومصراتة يعرفون بأن انسحابات الجيش الليبي من الغرب الليبي يجب أن لا تُفسّر كهزيمة نهائية له، وأن التمادي بالتهجم على (سرت) و (الجفرة) سيؤدي إلى عواقب وخيمة، وانعكاس في اتجاه التقدمات العسكرية، وقد يعرّض (مصراتة) و (طرابلس) نفسها إلى مخاطر جديدة، خاصة لو دخلت روسيا ومصر على الخط بتدخل عسكري مباشر. لذلك يجب الوقوف عند الخطوط العسكرية الحالية، والجلوس فورا في مفوضات سياسية تفضي إلى انتخابات مباشرة، رئاسية وبرلمانية، حرة ونزيهة ومراقبة دوليا.
-وكيف تقيّمون موقف دول الجوار الليبي وتحديدا تونس والجزائر ؟
تونس و الجزائر كانتا ولا زالتا دول جوار ومرحمة بين الشعوب الأشقاء. ودعم الجزائر الشقيقة لمبادرة القاهرة واستقبالها المهيب للمستشار عقيلة صالح، رئيس البرلمان الليبي، هو محل احترام وتقدير.
نعم، في تونس يحاول رئيس برلمانها، الممثل حقيقة لحزب النهضة الإخواني، لا للشعب التونسي، إفساد ذات البين بين الشعبين الشقيقين، ولكن الشعب التونسي الواعي وممثليه الأعزاء في برلمانه العتيد يقفون بقوة في وجه محاولات الإخوان توريط تونس في دعم الاجتياح التركي لليبيا، ونحن واثقون في الشعب التونسي ونوابه، وبأنهم سيستطيعون لجم تهورات الإخوان المسلمين.
– هل لك أن تحدثنا عن جرائم ميليشيات الوفاق ضد المدنيين في ترهونة وطرابلس؟
في 2011، أصدر (مجلس الأمن) القرار رقم 1970 والقرار رقم 1973 فارضا وجوب “حماية المدنيين” في ليبيا، ولكن للأسف، المدنيون في ليبيا كانوا ولا يزالون عرضة للقتل والقصف والتلغيم والتنكيل والتعذيب والتهجير والتجويع والتشريد والإهانة في كل أنحاء ليبيا وعلى مدى كل السنوات من 2011 وإلى الآن.
يجب أن تقام في ليبيا تحقيقات مستقلة ومحاكمات وتحكيمات وحوارات على غرار جلسات (الحقيقة والمصالحة) في جنوب افريقيا وفي روندا. ومن المهم جدا عدم التفرقة بين الأرواح والأعراض والأموال، فكل الليبيين سواسية وكلهم لهم كرامة إنسانية مصونة يجب أن يعاقب كل من يمس بها، بغض النظر عن خلفيته وانتماءاته والجهة التي حارب معها.
يجب التحقيق في كل المقابر الجماعية بلا استثناء وبدون انتقائية من (مقابر جنات) في مصراتة إلى مقابر الزاوية وسرت وترهونة والجنوب وغيرها كثير. ويجب التحقيق في كل قضايا القتل والتنكيل والتعذيب، وآخرها الجرائم المخزية التي تعرض لها ليس فقط الليبيون، ولكن أيضا أشقاؤنا ضيوف ليبيا.
– ما هو تقييمكم للموقف الأمريكي في ظل حالة التراشق مع روسيا حول تورط الأخيرة في دعم الجيش الوطني ؟
للأسف، سياسة العزلة والانسحاب التي مارستها الولايات المتحدة الأمريكية في الأربع سنوات الأخيرة تركت الساحة واسعة ومريحة لبعض القوى الإقليمية وخاصة تركيا، تركيا استغلت هذه الساحة المفتوحة وخرقت التوازن الإستراتيجي العسكري والأمني في منطقة شرق وجنوب المتوسط، والذي لم يجرؤ أحد على المساس به منذ الحرب العالمية الثانية.
بعض الأصوات في أمريكا قد تشجع التدخل التركي بحجة أنه يوازن التدخل الروسي لصالح الجيش الليبي، ولكن هذه الأصوات تخطئ خطأ جسيما، لأن التدخل التركي سيؤدي إلى توطين قواعد عسكرية لمجموعات إرهابية خطيرة ستهدد أمن المنطقة برمتها وستلتحم بباقي المجموعات الإرهابية في دول الساحل والصحراء والصومال وغيرها.
-هل دور القبائل الليبية انحسر بتمدد نفوذ الميليشيات والمسلحين في ليبيا؟
القبائل الليبية هي النسيج الإجتماعي للشعب الليبي، حتى في أكبر المدن، ولذلك لا يمكن لدورها أن ينحسر لصالح أحد. المبادرة التي أطلقها المستشار عقيلة صالح، رئيس البرلمان الليبي، في بداية رمضان ترتكز على الأعراف الإجتماعية الليبية، وتفسح دورا هاما لقيادات القبائل الليبية. وكذلك تحترم (مبادرة القاهرة) النسيج الاجتماعي الليبي.
ولكن لتكون القبائل الليبية فاعلة حقيقة في التفاوض الدولي، عليها أن تشكل وبشكل عاجل (لجان تواصل دولي) لتكون جزءا من أي حوار بخصوص الشأن الليبي ومستقبل ليبيا، والقبائل الليبية لها الآن تجمعين رئيسيين بإمكانهما المساهمة الفعالة وعلى وجه السرعة: التجمع الذي حصل في (بني وليد) ونتجت عنه لجان تحضيرية تحت اسم (منتدى القبائل والمدن الليبية)، والتجمع الذي حصل في (ترهونة) ونتجت عنه رئاسة (المجلس الأعلى لمشايخ وأعيان القبائل الليبية)، كما أن (الحراك من أجل ليبيا) يترأسه خمسة من مفاتيح مشايخ ليبيا، ويمكن أن يساهم بفاعلية أيضا.
– هل تتوقع استئناف جلسات البرلمان الليبي قريبا ؟ ولماذا؟
إن الالتفاف الدولي الذي حصل حول مبادرة رئيس البرلمان الليبي، والتي تبلورت وتطورت إلى (مبادرة القاهرة)، وضعت رئاسة البرلمان الليبي في وسط العمل السياسي الليبي في المرحلة الحالية، وهناك جهود كبيرة للتواصل بين أعضاء البرلمان الليبي لتقريب وجهات النظر، وتحشيد الدعم البرلماني لمبادرة القاهرة وخارطة الطريق الواردة فيها.
نعم، وللأسف، هناك ضغوطات وترغيبات تقوم بها حكومة الوفاق لشق الصف في البرلمان وتشكيل برلمان موازي في طرابلس يأتمر بإمرة حكومة الوفاق بدلا من أن يكون رقيبا عليها، ولكن كل هذه المحاولات ستفشل لأن العالم بأسره لا يعترف إلا بالبرلمان المنعقد في طبرق ثم بنغازي وبرئاسته الحالية.
ولقد تشرفت بالعمل الدبلوماسي الحثيث خلال الأسابيع الماضية لترتيب عشرات اللقاءات بين رئيس البرلمان وبين وزراء الخارجية والسفراء لعدة دول وبعثات، كان واضحا خلالها جميعا الدعم الدول الواسع للبرلمان الليبي بصفته السلطة التشريعية الشرعية الوحيدة في ليبيا والممثل الوحيد لإرادة الشعب الليبي.
– وكيف تنظرون إلى دور بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ؟ ومن الأنسب لقيادتها ؟
الأمم المتحدة رافقت ليبيا منذ استقلالها، والبعثة الأممية قامت ولا تزال بمجهودات مشكورة. ومما يميز (مبادرة القاهرة) أنها لم تهدم ما بنته البعثة الأممية ولكن بنت عليها في جميع محطات عملها (باريس)، (باليرمو)، (ابوظبي)، (برلين)، ولذلك الدور الرئيس في كل الجهود على كافة المسارات السياسية والإقتصادية والأمنية وغيرها إنما هو للبعثة الأممية.
بسبب ضيق الوقت وحساسية الوضع الحالي، لا أعتقد أنه من الحكمة تغيير الرئيسة المكلفة برئاسة البعثة حاليا، ستيفاني وليامز، ولكن هناك حاجة ملحة لتعيين، وبشكل إضافي، مبعوثا شخصيا خاصا لمعالي السيد الأمين العام للأمم المتحدة يكون دبلوماسيا مخضرما ورجل دولة حكيم يقدّم مصالح ليبيا ومواطنيها ويستطيع أن يتفاوض مع كافة العواصم الفاعلة في ليبيا وموازنة وتطمين مخاوفها وتوجساتها.
– كنا قد أجرينا معك مقابلة هامة في 2017 أعلنت من خلالها ترشحك للرئاسة في ليبيا، فهل ما زالت النية قائمة لديك للترشح في أول انتخابات رئاسية؟
كنت ولا زلت أعتقد أن الانتخابات الرئاسية المباشرة، والتي حرم منها الشعب الليبي طيلة تاريخه هي وحدها التي تستطيع أن توحد ليبيا وقيادتها. لقد تأخر إجراء الإنتخابات الرئاسية الليبية بسبب مماطلة (المؤتمر الوطني العام) في إجرائها، ثم تأجيل (مجلس النواب الليبي) لها رغم إقرارها في (القرار رقم 5 لعام 2014)، والذي لا يزال قائما لأنه كان بنصاب كامل وبأغلبية ساحقة، ثم مماطلة رئيس المجلس الرئاسي في إجرائها رغم إعلانه عن دعمها في مطلع 2017، وعدم دفعه لمستحقات (مفوضية الانتخابات)، ثم مماطلة الأطراف التي اتفقت على إجرائها في ديسمبر 2018 بموجب إتفاق باريس.
كل تلك المماطلات والتأجيلات والتأخيرات هي السبب الرئيس في الحروب والصراعات التي مزقت ليبيا، والمعاناة التي يعاني منها المواطن اليوم.
لذلك لا زلت أجزم بأن الإنتخابات الرئاسية المباشرة، حسب القرار رقم 5 لسنة 2014 وبحسب مقررات (لجنة فبراير) التي أوضحت فصل وتوازن السلطات، وبحسب قانون الانتخابات لسنة 2014، هي الحل الأمثل والأنجع لليبيا.
أما عن نيتي في الترشح، فإنني وفريق العمل في (مجمع ليبيا للدراسات المتقدمة) لم نتوقف قط عن تجديد خطة (إحياء ليبيا)، وسنعيد إطلاق حملة الترشح فور الإعلان عن الإنتخابات الرئاسية، ليبيا تستحق مستقبلا مستقرا وزاهرا، وتحتاج إلى ثقافة حياة وإحياء بدلا عن ثقافة الموت والحرب، وتحتاج إلى إحياء ثقافة الخدمة والبذل والعطاء بدلا من النهب والاستغلال، وتحتاج إلى ثقافة الأمل بدلا من ثقافة اليأس والقنوط، ولن تثنينا حملات التشويه والتهميش التي لم تتوقف ضدنا قط عن المنافسة الشريفة في الانتخابات الرئاسية القادمة، وأيضا البرلمانية والبلدية من خلال الشابات والشباب الداعمين لرؤية (إحياء ليبيا).